WATCH IT تكشف عن أكبر خريطة درامية لموسم رمضان 2026
ديسمبر 29, 2025

د. عبير عبد الجليل السجاعي تكتب : الذهب الأسود بين ” قوة الاقتصاد وضرورةالاستدامة “

ديسمبر 30, 2025

في أعماق الأرض، حيث الظلام دامس والضغط هائل، تكمن ثروةغيرت وجه العالم الحديث. إنه البترول،ذلك السائل الغامض الذيأضاء مدننا، وحرك سياراتنا، وقاد سياسات الأمم. لكن هذه القصةالذهبيةتواجه تحديًا وجوديًا في عصر يبحث عن مستقبل أنظفوأكثر استدامة.

عماد الاقتصاد: قوة لا تُنكر 

لطالما كان البترول شريان الحياة للاقتصادات العالمية. تخيل للحظةعالمًا بلا بترول: طائرات متوقفة،مصانع خامدة، مدن مظلمة. إنهالسيناريو الذي يوضح لماذا لا يزال “الذهب الأسود” لاعبًا رئيسيًاعلىالمسرح العالمي.

للنفط أدوار متعددة في اقتصاد الدولة:

محرك النمو: في الدول المنتجة، يمثل البترول غالبًا أكبرمصدر للدخل القومي، مما يمول مشاريعالبنية التحتية،والخدمات الاجتماعية، والتعليم، والصحة.

سلاح سياسي: تمتلك الدول المنتجة نفوذًا جيوسياسيًا فريدًا،حيث تؤثر قراراتها في أسواق العالمبأسره.

مصدر فرص العمل: تخلق صناعة النفط والغاز ملايينالوظائف مباشرة وغير مباشرة، من الجيولوجيينفي الصحراءإلى المهندسين في المصافي.

مادة خام لا غنى عنها: يدخل البترول في صناعة آلافالمنتجات اليومية، من الأدوية إلى الأجهزةالإلكترونية، والملابسإلى مواد البناء.

 

 

 

التناقض البيئي: ثمن التقدم 

لكن هذه القوة جاءت بثمن باهظ. فبينما كان البترول يبنيالحضارة، كان يلوثها أيضًا. لقد أصبح التغيرالمناخي تهديدًاوجوديًا، والاحتباس الحراري واقعًا نعيشه. هذا التناقض بينالازدهار الاقتصادي والتدهورالبيئي يخلق معضلة عصرنا.

نحو مستقبل مستدام: رحلة التحول 

لحسن الحظ، البشرية لم تستسلم لهذه المعضلة، بل بدأت رحلةالتحول نحو استدامة تجمع بينالازدهار والحفاظ على الكوكب. وتتمثل الحلول في:

1. تنويع الاقتصاد

يجب على الدول المعتمدة على النفط أن تستثمر عائداته في بناءاقتصادات متنوعة. الإمارات العربيةالمتحدة نموذج رائد في هذاالمجال، حيث استثمرت عائدات النفط في قطاعات السياحة،والطاقةالمتجددة، والتقنية، والخدمات المالية.

2. ثورة الطاقة النظيفة

يشهد العالم تحولًا غير مسبوق نحو الطاقة الشمسية، وطاقةالرياح، والهيدروجين الأخضر. الدولالنفطية لديها فرصة ذهبيةلقيادة هذه الثورة، باستثمارات ضخمة في مشاريع الطاقةالمتجددة.

3. الابتكار التكنولوجي

تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، وتطوير محركات أكثر كفاءة،وإنتاج بلاستيك حيوي قابلة للتحلل، كلهاابتكارات يمكن أن تخففمن الأثر البيئي للبترول أثناء فترة الانتقال.

4. الاقتصاد الدائري للكربون

مفهوم مبتكر يجعل من انبعاثات الكربون موردًا يُعاد استخدامه فيصناعات أخرى، بدلًا من كونها نفاياتضارة.

 

5. كفاءة الطاقة

ترشيد الاستهلاك في المباني، والنقل، والصناعة يمكن أن يقللالاعتماد على النفط دون التأثير على جودةالحياة.

الخلاصة: فصول جديدة في القصة

البترول ليس مجرد سلعة، بل هو فصل من فصول قصة البشرية معالطاقة. لقد قدم لنا خدمات جليلة،لكن الفصل التالي من القصةيجب أن يكون مختلفًا.

المستقبل لا يعني التخلي عن البترول بين عشية وضحاهافهذاغير واقعيبل يعني استخدامه كجسرللعبور إلى عصر الطاقةالنظيفة. الدول التي تدرك هذه الحقيقة وتستعد لها اليوم، ستكوندول الغدالقائدة.

التحول المستدام ليس خيارًا فحسب، بل هو ضرورة وجوديةواقتصادية. إنه تحدٍ يحتاج إلى شجاعة،وابتكار، ورؤية طويلةالمدى. فكما استخرجنا الذهب الأسود من باطن الأرض لنبني بهحاضرنا، علينا الآنأن نستخرج الحكمة من عقولنا لنبني بهمستقبلًا مزدهرًا ونظيفًا للأجيال القادمة.

يذكر أن المقال بقلم الدكتورة  عبير عبدالجليل السجاعى وهى دكتور باحث في الكيمياء العضوية والتطبيقية بمعهد بحوث البترول المصري