رغم مرور 175 عاما على وفاة محمد على باشا مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805إلى 1848 إلا ان محمد على وما أحدثه فى مصر كان دائما مثار جدل فى الكثيرمن الأوساط ولعل أهم ما كتب عن آثار محمد على فى مصر المقالة التي نشرها الشيخمحمد عبده فى 7يونيو 1902، بمجلة المنار لصاحبها الشيخ محمد رشيد رضا وكان فى هذاالتوقيت يتولى الخديوى عباس الثانى حكم مصر وكان منشغل بالإعداد للاحتفال بمرور مائةسنة على تأسيس محمد على باشا للدولة المصرية، غير أن رأى الإمام محمد عبده كان مضادا لإنجازات محمد على، وكتبه فى مقال بعنوان «آثار محمد على فى مصر» وجاء نصه ..
لغط الناس هذه الأيام فى محمد على… وما له من الآثار فى مصروالأفضال على أهلها، وأكثرت الجرائد من الخوض فى ذلك، والله أعلم ماذا بعث المادحعلى الإطراء، وماذا حمل القادح على الهجاء.غير أنه لم يبحث! باحث فى حالة مصر التى وجدها عليها محمد على وماكانت تصير البلاد إليه لو بقيت، وما نشأ من محوها واستبدال غيرها بها على يد محمدعلى.. أقول الآن شيئا فى ذلك ينتفع به من عساه أن ينتفع.. ويندفع به من الوهم ماربما يندفع..ما الذي صنعه محمد على؟ لم يستطع أن يحيى. ولكن استطاع أن يميت. كانمعظم قوة الجيش معه.. وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة، فأخذ يستعين بالجيش وبمنيستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه، ثم يعود بقوة الجيش وبحزب آخر علىمن كان معه أولا وأعانه على الخصم الزائل، فيمحقه وهكذا حتى إذا سحقت الأحزابالقوية، وجه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة. فلم يدع فيها رأسا يستقر فيه ضمير”أنا”… واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلا لجمع السلاح من الأهلين،وتكرر ذلك منه مرارا حتى فسد بأس الأهلين وزالت ملكة الشجاعة فيهم. وأجهز على مابقى فى البلاد من حياة فى أنفس بعض أفرادها فلم يبق فى البلاد رأسا يعرف نفسه حتىخلعه من بدنه أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان فهلك فيه. أخذ يرفع الأسافل..ويعليهم فى البلاد والقرى كأنه يحن لشبه فيه ورثه عن أصله الكريم (!) حتى انحطالكرام وساد اللئام، ولم يبق فى البلاد إلا آلات له يستعملها فى جباية الأموال وجمعالعساكر بأية طريقة، فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأى وعزيمة واستقلالنفس. ليصير البلاد المصرية جميعها إقطاعا واحدا له ولأولاده بعد إقطاعات كانتلأمراء عدة.ماذا صنع بعد ذلك؟ اشرأبت نفسه لأن يكون ملكا غير تابع للسلطانالعثمانى، فجعل من العدة لذلك أن يستعين بالأجانب من الأوربيين، فأوسع لهم فيالمجاملة، وزاد لهم فى الامتياز، حتى صار كل صعلوك منهم لا يملك قوت يومه ملكا منالملوك فى بلادنا، يفعل ما يشاء ولا يسئل عما يفعل، وصغرت نفوس الأهالي بين أيدىالأجانب بقوة الحاكم، وتمتع الأجنبى بحقوق الوطنى التى حرم منها، وانقلب الوطنىغريباً فى داره غير مطمئن فى قراره فاجتمع على سكان البلاد المصرية ذلان.. ذلضربته الحكومة الاستبدادية المطلقة.. وذل سامهم الأجنبى إياه ليصل إلى ما يريدهمنهم.. غير واقف عند حد أو مردود إلى شريعة.لا يستحى بعض الأحداث من أن يقول: إن محمد على جعل من جدران سلطانهبناء من الدين.. أى دين كان دعامة للسلطان محمد على؟ دين التحصيل؟ دين الكرباج..؟دين من لا دين له إلا ما يهواه ويريده..؟ وإلا فليقل لنا أحد من الناس.. أى عمل منأعماله ظهرت فيه رائحة للدين الإسلامى الجليل؟لا أظن أن أحدا يرتاب- بعد عرض تاريخ محمد على- على بصيرته أن هذاالرجل كان تاجرا زارعا، وجنديا باسلا، ومستبدا ماهرا، ولكنه كان لمصر قاهرا..ولحياتها الحقيقية معدما.. وكل ما نراه الآن فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره،متعنا الله بخيره، وحمانا من شره، والسلام..