نشر الأديب توفيق الحكيم مقالا في جريدة أخبار اليوم فبراير عام 1949 قال فيه: إن مهمة الكاتب ليست في حمل القارئ على الثقة به، بل في حملة على التفكير معه، وما أرخص الآداب لو أنه كان مثل السياسة طريقا إلى اكتساب الثقة لا طريق إلى إيقاظ الرأي.
لا أريد من قارئ أن يطمئن إلى لا أريد من كتابتى أن تريح قارئ.. بل أريد أن يطوى القارئ كتابتى فتبدأ متاعبه فيسد النقص الذي أحدثت.
أريد من قارئى أن يكون مكملا لى، لا مؤمنا بى.. ينهض ليبحث معى ولا يكتفى بأن يتلقى عنى، أن مهمتى هي في تحريك الرءوس، والكاتب مفتاح للذهن يعين الناس على اكتشاف الحقائق.
إن مهمة الكاتب في رأيى هي تربية الرأى العام.. لذلك أرى أن من واجبى أن أصمت دائما صمتا عن نقد الناقدين والناقد صاحب رأى مهمتى إيجاده وتشجيعه.
والمطلع على النقد أحد فريقين: فريق بصدق ويسلم دون بحث أو تمحيص، وهذا الفريق لا رأى له وبالتالى لن يهتم بتربية الرأى العام.
وفريق لا يقبل التصديق والتسليم قبل الرجوع إلى الأثر الفنى يطالعه حرا من كل قيد ليستخلص رأيا فيه بنفسه لنفسه.. وهذا الفريق على قلته في بلادنا هو أساس المجتمع الحر الذي يسعى الأدب الحر لإقراره وتقويته.
ومادام هدفنا تربية الرأى يجب أن نترك الناس أحرارا ينقدون، وخير أثر يمكن أن يحدثه عمل في الناس هو أن يجعلهم يفكرون تفكيرا حرا، فالفن إذن أداة من أدوات خلق الذاتية، وهو لا يستطيع أن يؤدى هذه الرسالة إلا في مجتمع حر.. لذلك لم يخطئ من قال إن الفن هو الحرية.
يجب ألا يقتصر عمل الفنان على إمتاع الحس وإراحة الضمير.. بل يجب أن يرمى إلى إيقاظ التفكير، لذلك نرى الفن لا يزدهر إلا في مجتمع بزغت فيه عوامل الإحساس بحرية الرأى وذاتية الفرد.
والفن لا يموت إلا في مجتمع خنقت فيه حرية الفرد وصودر فيه التعبير عن الرأى، ومن أجل ذلك أرى أن أنبل جهاد للكاتب هو المحافظة على أداة التفكير والرأى.
ديسمبر 18, 2024